عمّان - ملهم الأحدب
استعرض المنشد، محمد أمين الترمذي، شيخ المنشدين كما يحب أن يصفه تلاميذه، في مقابلة مصورة مع "البوصلة"، أبرز محطات حياته الفنية منذ نشأته في مدينة حلب إلى يومنا هذا.
وأكد على أن الفن سواءً النشيد أو الغناء انتقل ليصبح "فنًا استهلاكيًا"، حيث يؤدي المنشد أنشودة تروج في الأسواق لشهرين أو ثلاثة ثم تختفي، لكنها لا تدوم.
مشيرا إلى أن الرائج حاليا عند المنشدين أو المغنيين على السواء، هو الضعف الفني، وهذا يقاس على كل المغنيين حاليًا، مشيرًا إلى وجود انحدار في مستوى الكلمة واللحن.
بدايته
وُلد الترمذي، في مدينة حلب، عام 1945، ويبلغ من العمر 72 عاما، وله في الإنشاد ما يزيد على نصف قرن.
غادر من سوريا عام 1980، ثم انتقل إلى الأردن وعاش في عمان منذ 1983.
قال الترمذي إن مسيرته بدأت بمتابعة الفرق الغنائية الموسيقية في الأحياء الشعبية في مدينة حلب وعمره لا يتجاوز السبع سنوات، خلال إحيائهم للأعراس، حيث كانت تقام في البيوت العربية القديمة.
وأضاف في حديثه لـــ"البوصلة" أن الأمر اقتصر على حضور الأعراس والاستماع للأغاني، حتى دخول المذياع إلى بيتهم في الخمسينيات من القرن الماضي، وكانت الشهرة لأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وكارم محمود وغيرهم، ما أدى إلى زيادة تذوقه للفن، كما كان والده يدندن في البيت بعض الأغاني ما ساهم في تشكيل الخلفية الفنية لديه.
واستمر الأمر على هذا النحو، حتى اجتمع بمنشدٍ من أقاربه، وكان الترمذي بعمر 13 عاماً، حيث أخذه إلى المسجد وكان عندهم إحياء لذكرى الإسراء والمعراج، وكان هذا اللقاء الأول بين الترمذي والنشيد الديني.
ولفت الترمذي إلى أن النشيد أعطاه لذة روحية لم يجدها في الغناء، ما جعله يقرر المضي في طريق النشيد كمستمع له أولاً، وذلك قبل أن يكتشف أن لديه صوتًا وموهبة.
وكان الترمذي عندما يعود من الحفلات التي يحييها قريبه، يبدأ بدندنة هذه الأناشيد التي سمعها، وهنا انتبه قريبه لنبرة صوته، فبدأ يصحح له الأناشيد ويطلب منه أن يستمر.
هذا التشجيع الذي حظي به الترمذي، جعله يأخذ الأمر على محمل الجد، حيث اشترى دفترًا صغيرًا، وبدأ يدون عليه نصوص الأناشيد التي يسمعها، مع اسم المقام الذي يغنى عليه، وبقي على هذا الحال حتى أصبح عمره 20 عامًا.
تأسيس الفرقة الأولى
بدأت القصة حين تعرف الترمذي، على نادي شباب العروبة الفني، عام 1965، حيث تعرف على أحد عازفي العود اسمه رضوان رجب، وهو من أقرانه، وهنا تعلم الترمذي "السلّم الموسيقي".
وربط الترمذي بين علم المقامات والألحان وبين علم السلم الموسيقي، ثم بعدها بدأ الترمذي يحيي الحفلات، حتى عام 1967، حيث التقى بالمنشد حسن الحفّار، واتفقا على تأسيس فرقة، ضمت 5 منشدين، كان خامسهم شاعرًا وملحنًا، وغنى ألحانه مشاهير المطربين أمثال صباح فخري.
لم تستمر الفرقة طويلًا، حتى انفرط عقدها، حيث أسس الترمذي فرقته، وبدأ بتلحين الأناشيد، ونظم الشعر، ولم يكن لديه قبل ذلك أناشيد تناسب بعض الحفلات التي يحييها.
مراحل النشيد
لما بدأ الترمذي مشواره الإنشادي، كان النشيد يسمى كلاسيكيًا، يركز على سلطنة المقام والابتهالات، ومدح النبي عليه الصلاة والسلام، وبعض الأناشيد التي تركز على الجانب الروحي، وهذا كان سائدًا منذ القرن التاسع عشر.
وبحسب الترمذي فإن هذا اللون من النشيد بقي حتى عام 1967، بعد النكسة الفلسطينية، حيث ظهر لون آخر في الإنشاد، وهو ما يمكن اعتباره لونًا دعويًا فكريًا سياسيًا.
وحظي هذا اللون من النشيد بقبول المنشدين والناس، حيث أنه بحسب الترمذي أعاد الأمل لقلوب الأمة، بعد الهزيمة التي مني بها العرب في فلسطين عام 1967.
كذلك ظهر في فلسطين اللون الجهادي من النشيد، حيث كانت تؤدي الفرق الفلسطينية أناشيد تدعو لمقاومة الاحتلال والظلم، وانتشر هذا اللون كثيرًا في العالم الاسلامي بعد ذلك.
بعد هذه المرحلة، كان التطور في عالم النشيد، محصورًا في الوضع التقني، حيث انتقل المنشدون من استخدام أشرطة "الكاسيت"، إلى الـ"CDs"، ومع توسع الإعلام وتطوره، استخدم المنشدون الفيديو كليب أو الأناشيد المصورة، ما ساهم بتوسيع شهرة المنشدين من خلال أنشودة واحدة أحيانًا.
تأثير التطور على أداء المنشد
يرى الترمذي أنه في عهد النشيد الكلاسيكي القديم، لم يكن ليصبح الشخص منشدًا، إلا إن كان صوته قوياً جهورياً وجميلاً، وعنده المؤهلات الفنية من ناحية المقامات والتصرف بها خلال الأداء الإفرادي، وتجد كل منشد مدرسة في الأداء الفني.
أما في عهد النشيد الدعوي والجهادي، فإن الكثير من المنشدين، دخلوا عالم الإنشاد من خلال السماع فقط، حفظوا الأناشيد ورددوها، ثم جاءتهم فرصة من قبل شركات إعلامية، حيث تم تمويلهم لانتاج ألبومات، تكلف آلاف الدولارات.
وهنا انتقل الفن سواءً النشيد أو الغناء، إلى مرحلة أخرى ليصبح "فنًا استهلاكيًا"، حيث يؤدي المنشد أنشودة تروج في الأسواق لشهرين أو ثلاثة ثم تختفي، لكنها لا تدوم.
واعتبر الترمذي أن هذه الأناشيد لا تحمل مقومات الدوام؛ الكلمة الطيبة ذات المضمون الغني والجميل والهادف، ثم اللحن المبني على قواعد فنية، ثم جمال الصوت وجمال الأداء، وهذه العناصر جعلت الكثير من الأناشيد التي مر عليها عشرات السنين مطلوبة حتى الآن.
وقال إن الأمر الرائج في عصرنا الحالي عند المنشدين أو المغنيين على السواء، هو الضعف الفني، وهذا يقاس على كل المغنيين حاليًا، مشيرًا إلى وجود انحدار في مستوى الكلمة واللحن.
ودعا الترمذي المنشدين الشباب، إلى أن تحمل أناشيدهم الكلمة والفكرة، واللحن الجميل المطرب.
(البوصلة)
هـ/7